أن لكل نضال أخلاقيات وقيم … وان أستمرارية الأعمال وعظمتها مرهونة بأخلاقياتها وقيمها … وعليه فالنضال المثالى والمطلوب هو الذى يرتكز على مجموعة من الأخلاقيات التى بوجودها يكون النضال مشروعا وواجبا. والقيم الاخلاقية هى كل المقاييس المعنوية التى يقاس بها المناضل وسلوكه الانسانى خلال مرحلة نضاليه. ولعل من أهم هذة القيم التى يمكن أن يشترك ويتفق عليها كل المناضلين الشرفاء أينما كانوا هى : التواضع… والاحترام… والصدق… والعدل… والنقد… والأمانة… والعمل…… وان التواضع فى مرحلة النضال هو عدم تزكية النفس والابتعاد عن التصنيف الظالم للغير والغير مفيد للجميع. فالتواضع هو شرط أساسى وضرورى لكل مناضل يريد النجاح، وذلك لان الأعجاب بالنفس هو من أكبر اّفات النضال. وما أقصده بالاعجاب هو السرور أو الفرح المفرط بالنفس وبما يصدر عنها من أقوال أو أعمال أو سلوكيات، مما يؤدى الى تعدّى أو تجاوز الأخرين من الناس ومن ثم اداءهم أو احتقارهم أو استصغارهم. وهنا يجب أن يكون شعارنا قول الله تعالى: “فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى.” فعلى المناضل الا يمنّ ولا يفتخر بما يقوم به مهم كان هذا العمل عظيما. وذلك لان المنّ له موقع سىء على النفوس وهو من أكبر عوامل الهذم فى العلاقات الانسانيه. وهو فى العادة يقود الى تشتت الجهود وتفريق الجماعة. فمن المتعارف عليه ان الناس ينفرون من الذى يمنّ ويضيقون به درعا. وفى النهاية يقود المنّ الى الاذلال ، والاذلال مرفوض من كل الناس العقلاء. وفى هذا الصدد يقول الشاعر : لا تسقنى ماء الحياة بذلة … … بل فأسقنى بالعز كأس الحنظل. لابد أن ندرك بان الاختلاف فى الوسائل أو صيغ العمل بين المناضلين لا يعنى اختلافا فى الغاية أو فى الهدف بل اختلاف فى الفهم، والامكانيات، وتصور الوسائل الانسب والأنجح للتحقيق الاهداف المنشودة. وعليه فيجب الا نستخف باى جهد مهما كانت أساليبه أو نتائجه. ففى النهاية العبرة ليست بالنتائج ولا بالأساليب — طالما انها مشروعة وفى سبيل القضاء على كل أنواع الظلم وأنما العبرة بالنوايا والاعمال. فالسؤال الحقيقى هو: ماذا قدم كل منا؟ لابد أن نعي بان التواضع هو من أهم الوسائل لتوحيد الكلمة، وجمع الشمل، وأشاعة المودة، والغاء التفاوت الطبقى بكل أشكاله. الى جانب التواضع وعذم تزكية النفس لابد على المناضل أن يكون محترما لنفسه، ولرفاقه، وحتى لخصومه. ولعل من اول شروط الاحترام هو الابتعاد عن السخرية والاستخفاف بالغير. والسخرية ببساطة هى الحكم بالوضاعة على من يُسخر (بضم الياء) منه. أو بمعنى اّخر السخرية تعنى الاستهتار بالآخرين دون مراعاة لاى ضوابط أو حدود. والسخرية هى ظاهرة أخلاقية شاذة ومرفوضة عند كل العقلاء. ولهدا نجد ديننا الحنيف ينهى عن السخرية ويجعل الابتعاد عنها شرط من شروط الاحترام بين كل الناس. يقول تعالى : “يا أيها الذين اّمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن… ” ان المناضلين الشرفاء يناضلون من أجل القضاء على الاخطاء، ومعركتهم الحقيفيه هى ضد الظلم وليس مع الافراد. وعليه لابد ان نتذكر بان الاحترام هو شرط كل شىء. فادا غاب الاحترام غاب كل شىء. فلا يمكن أن توجد حرية بدون أحترام. وباختصار شديد يمكن القول مرة أخرى بان المناضل الحقيقى هو انسان محترم لنفسه … ولرفاقه … وحتى لعدوه. التاكيد على ان السؤال والاستفسار هو مفتاح المعرفة وشرط من شروط نجاح النضال. فاذا غاب هذا الشرط سيغيب جزء كبير من المعرفة. ان يكون النقد على أساس الاحترام. بمعنى يجب أن يكون النقاش والتشكيك فى تصرفات الغير من أجل البناء وموضوعى ولا يجب ان يكون من أجل اتبات الذات. يجب أن يبنى النقد على الأدلة والوقائع والبراهين. ويجب أن نتحلى بآداب النقد وان نبتعد عن النقد غير الموضوعى ، وأن نتجنب أسلوب الاقصاء والاسلوب الأحادى فى التفكير … الابتعاد عن الجدل… والتنازع… الانسان المجادل هو الذى لا يسعى من أجل الحقيقة وكل الذى يهمة هو أنتصار رايه ولو كان ذلك على الباطل. والجدل هو الانسياق وراء قضايا كلامية وثرثرة مقيتة. ولعل من مضار الجدل هو الانقياد الى الانشغال بأمور ووسائل جانبيه ، وفى العادة يقود الى ترتيب قضايانا ترتيبا يتفق وأهواءنا … والانسان الذى يجادل هو انسان لا يعمل. فأكثر المجادلين هم أناس عاجزون عن العمل ، وذلك لأن العاملين ليس لديهم وقت للجدال. ويجب الالتزام بالصدق والمصداقيه فى كل أقوالنا واعمالنا… ومن المعروف أن من اكبر اّفات النضال هى اّفة “الكذب”. والكذب هو الاخبار المزيفة على الواقع، وأعطاء صورة للسامع تخالف الحقيقة والواقع الموضوعى. وهى عملية هذم مقصود للحقيقة، ومحاولة تجهيل للسامع ومخادعتة وذلك بتصوير الواقع بصورة تخالف الحقيقة. والكذب هو أخطر أمراض الكلمة وأكثر استعمالاتها المنحرفة خطرا وتخريبا فى نفسية الفرد والمجتمع. وعليه فلابد ان نتحلى بالصدق فى كل شىء وان تكون المصداقية هى اكبر وأهم سلاح .فلابد أن نكون صادقين فى كل أقوالن، وأعمالن، وسلوكياتنا … يقول تعالى: “يايها الذين اّمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين.” أما القيمة الاخلاقية التى أرى ضرورة توافرها فى النضال فهى قيمية “الانصاف.” ونعنى به الانصاف مع أنفسن، ومع خصومن، ومع كل رفاقنا الذين نتفق معهم أو نختلف. وان يكون شعارنا دائما قول الله تعالى: “يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على الا تعدلو، اعدلوا هو أقرب للتقوى، وأتقوا الله ان الله خبيرا بما تعملون.“
وعليه يجب علينا جميعا ان نتواضع فى كل أعمالنا وذلك لانه من تواضع لله رفعه… وان تكون كل معاملاتنا قائمة على أساس الاحترام المتبادل بين الجميع… وان نكون منصفين وعادلين حتى مع الخصم… وأن يكون عملنا قائم على الصدق والامانة… واذا أختلفنا فيجب أن ننتقد بعضنا البعض بأسلوب حضارى وبنّاء… وفوق كل هذا وذاك لابذ أن تسبق أعمالنا أقوالنا… ولنترك للاّخرين الحكم على كل ما قمنا به… وأن نكون واثقين بان الله لا يضيع أجر المحسنين.
وختاما ان جاز لىّ ان أصف الانسان المناضل الشريف فيمكننى أن أصفه على أنه : * الانسان الذى يعمل فى صمت… وباستمرار… * وأذا تكلم لا ينطق الا صدقا… * ويتعامل مع الناس بانصاف وأحترام وأمانة… * وهو الذى لا يمن على الغير… ولا يزكى نفسه… * وهو الذى يومن بالنقد البناء… ويمارس فى النقد الذاتى على نفسه